الانتباه في زمن الاهتزاز

الانتباه في زمن الاهتزاز
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

الهاتف الذكي يمارس اليوم وظيفة تتجاوز الاتصال: تنظيم الانتباه. من خلال الإشعارات المتقطّعة، يعيد ترتيب الأولويات الذهنية، ويكسر استمرارية التفكير، لا بوصفه خللاً عرضياً، بل كآلية عمل أساسية. هذا النمط لا يضيف عبئاً زمنياً فحسب، بل يفرض إيقاعاً نفسياً قائماً على الاستجابة الدائمة.

 

التنبيه غير المتوقع يضع الدماغ في حالة استعداد مستمرّ. كلّ اهتزاز أو نغمة يقطع مسار التركيز ويعيد توجيه الوعي، حتى لو لم يُستجب له. ومع التكرار، يتكيّف الجهاز العصبي على التشتت بوصفه الحالة الطبيعية، فيما يصبح التركيز العميق مجهوداً استثنائياً. القلق هنا ليس نتيجة محتوى مزعج، بل نتيجة بنية تنبيه قائمة على الانقطاع.

 

تغذّي هذه البنية منظومة اقتصادية تقوم على جذب الانتباه واحتجازه. التطبيقات لا تُصمَّم لتحسين التجربة، بل لتمديد زمن التفاعل. وبهذا المعنى، لا يعمل الهاتف كوسيط محايد، بل كعنصر تدخّل دائم في الحياة الذهنية، حيث تختلط مطالب العمل، والرسائل الاجتماعية، والمحتوى العشوائي، والمكالمات غير المرغوبة في مساحة واحدة.

 

يُظهر هذا التحوّل تشابهاً جليّاً مع ما تكشفه تجارب علم النفس السلوكي حول أثر الصدمات المتقطّعة وغير المتوقعة، حيث يتحوّل الترقّب الدائم إلى مصدر إنهاك عصبيّ. في هذا المناخ، لم تعد الإشعارات تحمل معنى التواصل، بل باتت إشارة إنذار. لذلك صار وضع "عدم الإزعاج" أشبه بمساحة آمنة، ولحظة صمت رقميّ تُستعاد فيها السيطرة على الأعصاب والانتباه.

 

في مواجهة هذا الضغط، برز الصمت الرقمي كاستجابة عملية. تعطيل الإشعارات أو تقنين المكالمات لم يعد انسحاباً، بل محاولة واعية لاستعادة السيطرة على الإيقاع الداخلي. إنها إجراءات صغيرة في ظاهرها، لكنها تعكس وعياً متزايداً بأن الانتباه مورد محدود، وأن حمايته ضرورة نفسية.

 

اليقظة الذهنية، في هذا السياق، لم تعد ممارسة تأملية منفصلة عن الحياة اليومية، بل شكلاً من أشكال الإدارة؛ إدارة ما يدخل إلى الوعي، ومتى، ولماذا؟ السعي إلى الهدوء ليس رفضاً للتكنولوجيا، بل إعادة تعريف لشروط استخدامها وحدود حضورها في التجربة الإنسانية.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/30/2025 9:09:00 AM
العميد أحمد الدالاتي قائد أمن ريف دمشق تابع بشكل مباشر قضية حمزة
المشرق-العربي 12/30/2025 5:55:00 PM
إطلاق نار كثيف قرب قصر الشعب والمزّة 86 في دمشق، مع أنباء غير مؤكدة عن عملية اغتيال.
المشرق-العربي 12/30/2025 8:12:00 PM
شقيق أبو عبيدة يكشف تفاصيل عن اشتباك خاضه الناطق السابق باسم القسام في شمال غزة
المشرق-العربي 12/30/2025 11:15:00 PM
المرصد السوري يرد على نفي الرئاسة السورية لاطلاق نار في محيط قصر الشعب