في عالم كرة القدم، يُعتبر حراس المرمى دائماً في مواجهة تحديات استثنائية، حيث تسلّط عليهم الأنظار في كل لحظة من لحظات المباراة، مثل محمد الشناوي، الذي يجسّد هذه الحقيقة بجدارة، إذ تجد الإنجازات الشخصية طيّ النسيان سريعاً لتحلّ مكانها الانتقادات على أيّ زلّة تؤدي إلى اهتزاز الشباك!

على مدار سنوات، أظهر الشناوي تميزاً كبيراً، والتزاماً راسخاً، مكّناه من التواجد بين نخبة اللاعبين. لكنه، مع ذلك، تعرّض لموجات من الانتقادات في بعض الفترات، حيث إنّ ذاكرة المشجعين قد تقسو أحياناً، مستحضرة العثرات فقط، متجاهلة ما سبقها من نجاحات واستقرار ملحوظ.

اعتمد الشناوي نهج الصمت بوجه الانتقادات، واختار أن يكون رده عملياً على أرض الملعب بعيداً عن الجدل أو التبرير، متسلحاً بالصبر والإرادة. حوّل الأداء إلى لغة وحيدة يخاطب بها منتقديه، ليؤكد أنه يفضّل الأفعال على الأقوال.

قبل انطلاق بطولة كأس أمم أفريقيا الحالية، واجه الشناوي موجة جديدة من الانتقادات، خصوصاً بعد اختياره كحارس أساسي للمنتخب المصري، في وقت تساءل البعض عن سبب اختياره، وأعربوا عن قلقهم بشأن مستواه أخيراً، مع مطالبة البعض بإشراك الحارس الواعد مصطفى شوبير بدلاً منه.

وما زاد من الضغط عليه أداؤه في المباراة الافتتاحية ضد زيمبابوي، حين بدت بعض الهفوات جليّة بسبب قرارات غير موفقة بالخروج للكرات، ممّا أدى إلى تصاعد الدعوات إلى إبعاده عن مباراة جنوب أفريقيا، وهي المباراة التي كانت حاسمة لمشوار المنتخب في البطولة.

مع الضغوط الثقيلة التي حملها على عاتقه، اختار الشناوي التركيز التام وتجاهل الضوضاء المحيطة به. وعندما انطلقت صفّارة البداية لمباراة جنوب أفريقيا، بدا الحارس بحلّة جديدة تماماً، حيث قدّم أداءً اتّسم بالثبات والثقة.

تمركزه كان محكماً، ردود أفعاله سريعة وعقلانية، وتحرّكاته ذكية ومحسوبة بدقة، وأدار خط الدفاع بمهارة، وبثّ الثقة في نفوس زملائه خلال أوقات المباراة الأكثر توتراً.

محمد الشناوي في مباراة مصر وجنوب أفريقيا. (أ ف ب)

تحوّل حارس الأهلي من مجرّد حارس إلى قائد في داخل منطقة الجزاء، حيث تصدّى للعديد من الهجمات الخطيرة بثبات واحتراف، وكان نقطة ارتكاز للمنتخب، بل جعل من نفسه جداراً يصعب اختراقه، وتألّقه الذهني والبدني انعكس بشكل مباشر على أداء "الفراعنة" طوال التسعين دقيقة.

في الأوقات الحاسمة من المباراة، ومع تصاعد الضغط، خصوصاً بعد طرد اللاعب محمد هاني، الذي أجبر المنتخب على استكمال اللقاء بعشرة لاعبين، تألّق الشناوي بشدّة، وكانت الدقيقة الـ 97 شاهدة على أبرز لحظاته البطوليّة عندما تصدّى لكرة مصيرية كانت كفيلة بمنح جنوب أفريقيا هدف التعادل وإنهاء آمال المنتخب المصري في حسم التأهل باكراً؛ وهذا التدخل لم يكن فقط إنقاذاً للشباك، بل كان منعطفاً حاسماً وحوّل الانتقادات إلى إشادات واسعة النطاق.

إلى جانب تألقه اللامع الذي شاهده الجميع على أرض الملعب، جاءت الإحصاءات لتؤكد دوره المحوري في المباراة؛ فقد نجح في التصدي لستّ فرص خطيرة، أربع منها من داخل منطقة الجزاء، كما أنه حافظ على نظافة شباكه طوال اللقاء، واستحق بجدارة لقب رجل المباراة، الذي كان تتويجاً لأدائه البطولي. وبفضل جهوده الكبيرة، تأهلت مصر إلى الدور الـ16 كأول منتخب يحقق هذا الإنجاز.

في اللحظات التي تحدد فيها التفاصيل الصغيرة مصير الأبطال، أثبت محمد الشناوي أنه ليس مجرّد حارس يحمي عرين "الفراعنة"، لكنه لاعب استثنائي قادر على تغيير مسار المباريات وصناعة الفارق، وحوّل الانتقادات إلى فرصة للانتفاض مجدداً، وأعاد كتابة فصول مسيرته كلاعب كبير يُجيد الرد داخل المستطيل الأخضر بلغة واحدة فقط هي الأداء الراقي، والروح القتالية التي لا تعرف الانكسار.