يا يسوع… أعدنا إلى المذود

منبر 23-12-2025 | 10:06

يا يسوع… أعدنا إلى المذود

يا يسوع المسيح، في ليلة ميلادك المجيد، لا نحمل إليك كلاماً بل أنيناً. نأتي إليك لا بصلابة، بل بانحناء، وقد تآكلت قلوبنا من كثرة الوقوف، وكثرة السقوط، وكثرة الادّعاء بأننا بخير.
يا يسوع… أعدنا إلى المذود
تعبيرية (من الانترنت)
Smaller Bigger

ريمي الحويّك

 

 

يا يسوع المسيح، في ليلة ميلادك المجيد، لا نحمل إليك كلاماً بل أنيناً. نأتي إليك لا بصلابة، بل بانحناء، وقد تآكلت قلوبنا من كثرة الوقوف، وكثرة السقوط، وكثرة الادّعاء بأننا بخير.

يا يسوع، لقد صار العالم ليلاً طويلاً، ليلاً بلا نجمة تهدي، بلا ملاك يُعلِن بشارة، بلا يد ترفع عنّا هذا الثّقل. 

لقد دخل عالمنا نفقاً لم تعُد فيه الخطايا تُرتكب، بل تُدار كصناعات، صار الخراب منظومة كاملة، لها وزاراتها، ورُعاتها، وشركاتها العابرة للقارات.

صار الشرّ مؤسّسة، والخير مشرداً ينام تحت جسور الحروب.
صارت المصائبُ برامج عمل والفساد نظاماً عالمياً يُصمَّم كما تُصمَّم الخطط الاقتصادية، الحكام تجّار، والأوطان سلع، والإنسان ورقة في بازار القوى العظمى. حتى الجّوع، تحوّل من وجع إلى استراتيجيّة، والأطفال صاروا نحيباً في نشرات الأخبار.

يا يسوع، انتشرت الكراهيّة انتشار النّار في هشيم الأرواح، وصار المختلف لعنة، والضّعيف وصمة، والفقير تهمة.

صرنا نُجمّل الشرّ بعباراتٍ لامعة، ونكسو القسوة بربطات عنق، ونقلب الحقائق كما تُقلَب العملة في الأسواق.

صرنا نخلط بين ضعف القلب وقوة محبّتك، فجعلنا من الغفران خوفاً ومن المحبة تنازلاً، ونسينا أنّ المحبّة قوّة تعصر الموت، وأن الغفران ثورة تبدأ من الجلجلة.

صرنا نتناول قربانك كما لو أنّه خبزٌ عادي، ناسين أنّه جرحك المفتوح، وأنّ كلّ فتات هو عهد.

صرنا نبني المغارة حجراً فوق حجر، ونكسوها ذهباً وحريراً، ثمّ نمضي ولا نمكث حيث يسكن السرّ.

صرنا نمدّ أيدينا إلى النجمة لا طلباً للنور، بل لضبط صورة الشجرة، وننسى أن اليد التي لا ترتفع للدُعاء تظلّ مُثقلة بما تحمله الأرض.

صرنا نُجيد إخراج مشاهد العيد أكثر مما نُجيد عيشه، غابت البطاقات التي كانت تُكتب بالقلب قبل الحبر، وكانت تُقدَّم بخشوع، وحين تُفتح لا تُقرأ بل تُحتضن، لأنّها لم تكن ورقاً، بل قلباً واثقاً ومؤمناً بحضورك.

صرنا نلتفّ حول المائدة لا لنتقاسم المحبّة، بل لنتباهى بما حضّرناه، وبما اشتريناه، وكأنّ العيد صار متجراً للبذخ، لا سرّاً يتجسّد في فقر المغارة.

صرنا نضع تماثيلك الصغيرة في بيوتٍ لا مكان لك فيها؛ تماثيل نلمّعها مرّة في السّنة، ثم نُعيدها إلى العُلب، ونُعيدك معها.

صرنا نتقن إغلاق أعيننا عن الحقيقة، وآذاننا عن وصاياك، وقلوبنا عن محبّتك. وكلّما ابتعدنا، قُلنا إنّك أنت البعيد.

صرنا نزيّن صدورنا بصليب من ذهبٍ وألماس، بعدما كان خشبةً سُمّرت عليها خطايانا.

صرنا نبحث عن خلاص بلا توبة، وعن نعمة بلا ثمن، وعن ملكوت بلا صليب.

يا يسوع، نحن اليوم، نقف أمامك مثل شموعٍ ذابت ولم تعد تعرف كيف تقف.
نقف أمامك بخوفٍ لم نعد نخجل منه، وبوجعٍ لم نعد نقدر أن نخبّئه.
نقف أمامك لأننا تعبنا. تعبنا إلى حدّ لا يعرفه إلّا من يحمل صليب العالم على كتفيه.

يا يسوع، نحن نحتاجك. نحتاجك لأنّ مشاعرنا صدئت، ومحبّتنا تكسّرت، وإنسانيتنا تآكلت.
نحتاجك لأنّ العالم صار ذكياً جداً، وقاسياً جداً، ولأنّ الإنسان صار قوياً جداً، بكلّ شيء، إلّا بالخير.

تعال، يا يسوع! تعال وخُذ بيد هذا الزّمن الذي ضلّ الطريق!
أنت الذي مشيت فوق الماء، امشِ فوق هذا العالم الغريق!
أنت الذي فتحت عيون العميان، افتح عيون القادة الذين لا يرون إلّا كراسيهم!
أنت الذي أقمت لعازر، أقم الشّعوب من موتها الطويل!
أنت الذي هدّأت العاصفة، هدّئ العاصفة التي في صدورنا وفي شوارعنا وفي بيوتنا وفي بلادنا!

يا يسوع!
 لبنان يصرخ إليك. هذا الوطن الذي باركته بقدّيسين عرفوا الجوع، ولم يساوموا؛ عرفوا الاضطهاد ولم يبيعوا الحقّ؛ لبنان ذاك، صار اليوم مُعلّقاً على خشبة حكمٍ بلا ضمير، صار مصلوباً لا فداء فيه، تحكمه أيدٍ لا تعرف وجع المسامير، ولا تخجل من تقاسم الثياب تحت الصليب. مسيرته لم تعد معبّدة بالحق بل بالمصالح، وقيامته لم تعد نوراً من قبرٍ فارغ، بل كراسٍ تتناسل، ومناصب تُقدَّس، وسلطة تتقاسم الموت باسم الوطن.

يا يسوع، قادة لبنان ليسوا لنا خلاصاّ. نحن نريد قادة من روحك، من نورك، من قلبك. لا نحتاج معجزة، بل ضميراً لا يُباع، ويداً لا تُصافح الظلم، وقلباً لا يساوم على وجع الفقراء.

يا يسوع، لسنا نبحث عن أبطال ولا زعماء. نبحث عمّن يخافك أكثر ممّا يخاف الناس، عمّن يركع قبل أن يقرّر، ويصلّي قبل أن يوقّع.

يا يسوع، ارفع لبنان من ظلمته وليحلّ نورك على أرضه! 
ارفع لبنان من قاع الانقسام، من ليل الجوع، من كسر الكرامة اليومية!
اجعل أرضه تعود صلاة، وشوارعه رجاء، وبيوته مكاناً للحياة! 
ازرع في هذا الوطن قادة من روحك، لا يُتقنون السُّلطة بقدر ما يُتقنون المحبة، وليكن نورك أقوى من كلّ ظلمة، وأبقى من كل عرش!


يا يسوع، نحن، بكلّ هذا الوجع، بكلّ هذا الانكسار، بكلّ هذا الرّجاء الذي لم يمت بعد، نسألك أن تعود إلينا وأن تأخذنا إليك؛ فالخلاص، أيّ خلاص، كلّ الخلاص، لا يأتي إلا منك.

يا يسوع، خذ منّا كل ما أغرانا به هذا العالم!
خذ رفاهيّته التي خدّرت قلوبنا، وتطوّره الذي سرق بساطتنا، وقوّته التي جعلتنا قساة، وسلطته التي علّمتنا أن نرتفع بلا محبة، وذكاءه الذي قتل فينا البراءة!
خذ منّا كلّ ما أوهمنا بالعظمة، وكلّ أمجاد الأرض الزائلة، وكلّ أبراج الغرور، وكلّ الحليّ التي زَيّنت فراغ أرواحنا!

خذ كل ما صنع فينا كبرياءً بلا قلب، وأعِدنا، أعِدنا كما يعيد الراعي خروفه الضائع، إلى ذلك المذود الفقير، حيث لا ذهب ولا فضّة، حيث لا عروش ولا حسابات، حيث لا ضوضاء ولا خوف، أعدنا إلى المذود، لأنّ الميلاد هناك، والسلام هناك، وأنت… هناك.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/30/2025 9:09:00 AM
العميد أحمد الدالاتي قائد أمن ريف دمشق تابع بشكل مباشر قضية حمزة
المشرق-العربي 12/30/2025 5:55:00 PM
إطلاق نار كثيف قرب قصر الشعب والمزّة 86 في دمشق، مع أنباء غير مؤكدة عن عملية اغتيال.
المشرق-العربي 12/30/2025 8:12:00 PM
شقيق أبو عبيدة يكشف تفاصيل عن اشتباك خاضه الناطق السابق باسم القسام في شمال غزة
المشرق-العربي 12/30/2025 11:15:00 PM
المرصد السوري يرد على نفي الرئاسة السورية لاطلاق نار في محيط قصر الشعب